ومن هنا نعرف حقيقة محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل من لازم محبة الله محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران:31] فالاتباع أصل عظيم من أصول الدين، وهو قاعدة الإسلام التي يقوم عليها؛ بل هو حقيقته ولبه، فلا يكون الإِنسَان مسلماً أبداً إلا إذا اتبع الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهراً وباطناً، فإن حصل من العبد انقيادٌ واستسلامٌ ظاهري لِمَا جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع خلو باطنه من ذلك.
فهَؤُلاءِ هم المنافقون الذين كرهوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرهوا ما أنزل إليه، ولذلك خرجوا من الملة كلهم أو أكثرهم بسبب ذلك.
وأما الطرف الآخر: وهو من يزعم أن محبة الله، ومحبة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قلبه، ولكن أعماله تكذب ذلك، ولا ينقاد ولا يستسلم لأوامر الله، ولا يطبق سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يعارض ماجاء عنه بأي نوع من أنواع المعارضات، فإن هذا كاذب في دعواه، ونستدل عَلَى ذلك بما قاله بعض السلف: لما قرأ قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) قَالَ: هذه آية الامتحان، ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية الامتحان ليمتحنهم، وليبين من يحبه حقيقة ومن لا يحبه، وما يدعيه بعض النَّاس من محبة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن واقع حالهم مخالف لما جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقولون: إننا مع مخالفة السنة نتعرض للّوم، ولهذا يقال لهم: الملامية أو الملامتية، ويستدلون بقول الشاعر كعادتهم في هذا الشأن:
أجد الملامة في هواك لذيذة             حباً لذكرك فليلمن اللوم
ويغلون فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنواع الغلو، ويستجلبون اللوم بذلك ويقولون: لا تكون المحبة إلا باللوم فنقول لهم: إن المحبة الحقيقية لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي مدعاة للوم وليس في ذلك شك، فمن اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جهاده ودعا إِلَى الله ليلاً ونهاراَ وسراً وعلانية، في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
فإن هذا بلاشك يخالف أهل الرغبات، وأهل الشهوات، فيدعو النَّاس إِلَى لومه -وهذا شيء طبيعي- وهذه هي المحبة الحقيقية: أن يطبق الإِنسَان السنة، وليس التعرض للوم هو المقصود بل المراد بهذا أن نفهم حقيقة محبة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- التي قال الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فيها:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه)) [المائدة:54] فأول صفة: يحبهم ويحبونه.